معنى الدين
د. يوسف القرضاوي
لا نريد أن نطيل الحديث في ذلك (معنى الدين) عند اللغويين وعند مؤرخي الأديان، وفلاسفة الملل والنحل، وندخل في الموضوع مباشرة.
وقد بحث ذلك شيخنا الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه القيم (الدين) ثم خرج بالتعريف التالي للدين، أي دين، صحيح أو فاسد، كتابي أو وثني.
قال رحمه الله: الدين هو:"الاعتقاد بوجود ذات ـ أو ذوات ـ غيبية علوية، لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعنى الإنسان، اعتقاد من شأنه أن على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوع وتمجيد" وبعبارة موجزة، هو "الإيمان بذات إلهية، جديرة بالطاعة والعبادة". هذا إذا نظرنا إلى الدين من حيث هو حالة نفسية بمعنى التدين، أما إذا نظرنا إليه من حيث هو حقيقة خارجة فنقول: "هو جملة النواميس النظرية التي تحدد صفات تلك القوة الإلهية، وجملة القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها".
فهذا التعريف يشمل الدين من هو، ولو كان قائما على الشرك والوثنية. ذلك أن القرآن سماه دينا، كما في قوله تعالى: " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، وقوله: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ".
وقد عرف علماء الإسلام الدين بأنه: "وضع إلهي سائق لذوى العقول السليمة باختيارهم إلى ما فيه الصلاح في الحال والفلاح في المآل".
الأديان السماوية ووحدتها :
ومن المعروف للدارسين أن الأديان نوعان:
1- أديان سماوية أو كتابية، على معنى أن لها كتابا نزل من السماء، يحمل هداية الله للبشر، مثل(اليهودية) التي أنزل الله فيها كتابه (التوراة) على رسوله(موسى) عليه السلام. ومثل(النصرانية) التي أنزل الله فيها كتابه (الإنجيل) على رسوله المسيح (عيسى) عليه السلام. ومثل (الإسلام) الذي أنزل الله فيه (القرآن) على خاتم رسله وأنبيائه (محمد) عليه الصلاة والسلام.
وفرق ما بين الإسلام والأديان الكتابية الأخرى: أن الله تعالى حفظ أصول الإسلام ومصادره بوصفه الرسالة الأخيرة للبشر، فلم يصبها تحريف ولا تبديل، في حين لم يحفظ مصادر الأديان الأخرى وكتبها المقدسة، فحرفت وبدلت، أو ضاعت.
2- وأديان وثنية أو وضعية، تنسب إلى الأرض لا السماء، وإلى البشر لا إلى الله مثل (البوذية) في الصين واليابان، و(الهندوسية) في الهند، و(المجوسية) في فارس قديما، وغيرها من الأديان في آسيا وأفريقيا. فهي إما من وضع البشر أساسا مثل البوذية، وإما أن يكون لها كتاب في الأصل ثم ضاع ولم يبق له أثر، كما في المجوسية.
والأصل أن الأديان السماوية واحدة في أصولها العقائدية، وإن اختلفت شرائعها باختلاف أزمنتها، وهذا ما بينه القرآن وأكده "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"(الشورى:13)، وقال تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" (المائدة:48)
بل قرر القرآن أن دين الله واحد، أنزل به جميع كتبه، وبعث به جميع رسله، وهو (الإسلام) كما قال تعالى: " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (آل عمران:19)، فكل رسل الله كانوا مسلمين، ودعوا إلى الإسلام، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا" (آل عمران:76)، "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (البقرة:132)، وموسى قال لقومه: "وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" (يونس:84)، والحواريون أصحاب عيسى: " قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:52)
ومحمد خاتم الرسل بعث بالإسلام ـ دين الرسل جميعا ـ مصدقا لما بين يديه ـ أي ما تقدمه ـ من الأديان، ومؤكدا لما تضمنته كتبها من حقائق الدين، وقواعد السلوك، كما جاء القرآن مهيمنا على تلك الكتب، لما أصابها من تحريف لفظي أو معنوي لكلمات الله فيها، متمما لمكارم الأخلاق التي جاء بها رسل الله من قبل، حتى تبلغ غايتها بعد أن بلغت البشرية أشدها، واستكملت رشدها.
يقول تعالى مخاطبا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" (المائدة:48)
د. يوسف القرضاوي
لا نريد أن نطيل الحديث في ذلك (معنى الدين) عند اللغويين وعند مؤرخي الأديان، وفلاسفة الملل والنحل، وندخل في الموضوع مباشرة.
وقد بحث ذلك شيخنا الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه القيم (الدين) ثم خرج بالتعريف التالي للدين، أي دين، صحيح أو فاسد، كتابي أو وثني.
قال رحمه الله: الدين هو:"الاعتقاد بوجود ذات ـ أو ذوات ـ غيبية علوية، لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعنى الإنسان، اعتقاد من شأنه أن على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوع وتمجيد" وبعبارة موجزة، هو "الإيمان بذات إلهية، جديرة بالطاعة والعبادة". هذا إذا نظرنا إلى الدين من حيث هو حالة نفسية بمعنى التدين، أما إذا نظرنا إليه من حيث هو حقيقة خارجة فنقول: "هو جملة النواميس النظرية التي تحدد صفات تلك القوة الإلهية، وجملة القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها".
فهذا التعريف يشمل الدين من هو، ولو كان قائما على الشرك والوثنية. ذلك أن القرآن سماه دينا، كما في قوله تعالى: " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، وقوله: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ".
وقد عرف علماء الإسلام الدين بأنه: "وضع إلهي سائق لذوى العقول السليمة باختيارهم إلى ما فيه الصلاح في الحال والفلاح في المآل".
الأديان السماوية ووحدتها :
ومن المعروف للدارسين أن الأديان نوعان:
1- أديان سماوية أو كتابية، على معنى أن لها كتابا نزل من السماء، يحمل هداية الله للبشر، مثل(اليهودية) التي أنزل الله فيها كتابه (التوراة) على رسوله(موسى) عليه السلام. ومثل(النصرانية) التي أنزل الله فيها كتابه (الإنجيل) على رسوله المسيح (عيسى) عليه السلام. ومثل (الإسلام) الذي أنزل الله فيه (القرآن) على خاتم رسله وأنبيائه (محمد) عليه الصلاة والسلام.
وفرق ما بين الإسلام والأديان الكتابية الأخرى: أن الله تعالى حفظ أصول الإسلام ومصادره بوصفه الرسالة الأخيرة للبشر، فلم يصبها تحريف ولا تبديل، في حين لم يحفظ مصادر الأديان الأخرى وكتبها المقدسة، فحرفت وبدلت، أو ضاعت.
2- وأديان وثنية أو وضعية، تنسب إلى الأرض لا السماء، وإلى البشر لا إلى الله مثل (البوذية) في الصين واليابان، و(الهندوسية) في الهند، و(المجوسية) في فارس قديما، وغيرها من الأديان في آسيا وأفريقيا. فهي إما من وضع البشر أساسا مثل البوذية، وإما أن يكون لها كتاب في الأصل ثم ضاع ولم يبق له أثر، كما في المجوسية.
والأصل أن الأديان السماوية واحدة في أصولها العقائدية، وإن اختلفت شرائعها باختلاف أزمنتها، وهذا ما بينه القرآن وأكده "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"(الشورى:13)، وقال تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" (المائدة:48)
بل قرر القرآن أن دين الله واحد، أنزل به جميع كتبه، وبعث به جميع رسله، وهو (الإسلام) كما قال تعالى: " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (آل عمران:19)، فكل رسل الله كانوا مسلمين، ودعوا إلى الإسلام، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا" (آل عمران:76)، "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (البقرة:132)، وموسى قال لقومه: "وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" (يونس:84)، والحواريون أصحاب عيسى: " قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:52)
ومحمد خاتم الرسل بعث بالإسلام ـ دين الرسل جميعا ـ مصدقا لما بين يديه ـ أي ما تقدمه ـ من الأديان، ومؤكدا لما تضمنته كتبها من حقائق الدين، وقواعد السلوك، كما جاء القرآن مهيمنا على تلك الكتب، لما أصابها من تحريف لفظي أو معنوي لكلمات الله فيها، متمما لمكارم الأخلاق التي جاء بها رسل الله من قبل، حتى تبلغ غايتها بعد أن بلغت البشرية أشدها، واستكملت رشدها.
يقول تعالى مخاطبا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" (المائدة:48)