الأسرة هي أساس المجتمع، وبها يتحقق التقدم والتنمية، ولعل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي أحدثتها العولمة وثورة المعلومات فرضت على الأسرة بصفة عامة والمسلمة بصفة خاصة عدة تحديات في سبيل الحفاظ على أواصر المجتمعات وسلامة الأجيال القادمة..
وقد جاءت مقررات مؤتمر (الأسرة.. في ظل العولمة)، الذي نظمته جمعية (العفاف) الخيرية بالأردن برعاية وزير الإعلام الأسبق بالأردن في 26 يونيو 2004م بمدينة عمان تحت شعار "أسرتنا حصن أمتنا"، والذي يأتي ضمن احتفالات الجمعية بالسنة الدولية للأسرة، وبمشاركة المجلس الوطني لشئون الأسرة، ووزارة الأوقاف، وبعض نواب البرلمان الأردني، ودائرة قاضي القضاة، وإدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام، ومنظمة اليونيسيف بالأردن، بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الدولية، ومنها اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بمصر.
وقد حذر المشاركون في المؤتمر من خطورة التمويل الأجنبي، وأثره على توجيه برامج المؤسسات الاجتماعية، ودعا المؤتمر علماء المسلمين وقادة الفكر إلى العمل على تأصيل المصطلحات والمفاهيم الأساسية الخاصة بالأسرة والمرأة والطفل، وتحريرها من اللبس والغموض والتشويه المتعمَّد، ونشرها وترجمتها إلى اللغات الأخرى.
كما أوصى المؤتمر بإدخال المفاهيم المتعلقة بالأسرة إلى مناهج التربية والتعليم المختلفة، وبما يتناسب مع المرحلة العمرية؛ لما لذلك من أثر كبير في تعزيز المفاهيم الصحيحة، والمستمدة من تعاليم دينها الحنيف وقيمها الأصيلة؛ من خلال وضع إستراتيجية وطنية للتعامل مع القضايا الاجتماعية وِفْقَ دراسة منهجية تراعي الأولويات الاجتماعية، وتنبثق من عقيدة الأمة وقيمها الأصيلة.
وركزت أوراق المؤتمر على ضرورة توضيح المفهوم الصحيح للأسرة، واعتبار الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى هو المدخل الوحيد لبناء الأسرة.
الطفل بين الإسلام والغرب
ونبهت الدكتورة مكارم الديري- الأستاذ بجامعة الأزهر- إلى خطورة ما تضمه المواثيق الدولية الخاصة بالطفل، من إشكاليات وسلبيات وقعت فيها هذه المواثيق، منها ما يتعلق بالتناقض في نصوص مواد الاتفاقيات، ومنها ما هو خاص بمصطلحات الوثائق: كمصطلح الصحة الإنجابية والجنسية للمراهقين، ومنها ما يتعلق بماهية مشكلات الطفل في كل دولة، والتي أغفلتها هذه الوثائق، وحاولت فرض النموذج الغربي لتنظيم حياة الأطفال في العالم وعولمتها.. بما في ذلك من إباحة للحرية الجنسية للمراهقين، والمطالبة برعاية الدول لمن أسمتهم بالناشطين جنسيًّا، مع المطالبة بالاعتراف بحقوق الشواذ، ومساواتهم بالأسوياء، وغير ذلك من المطالبات المرفوضة من آدابنا الدينية والأخلاقية.
ميثاق الطفل في الإسلام
وتؤكد ورقة الدكتورة "مكارم"- دراسةً نقديةً بين ميثاق الطفل في الإسلام والمواثيق الدولية"- أن تلك المطالب غير الشرعية- حسب إسلامنا- قد شكلت دافعًا قويًّا لوضع ميثاق الطفل في الإسلام لسدِّ الثغرات التي أغفلتها المواثيق الدولية عن الطفل، والتي اهتمَّت بشكل صارخ بالحقوق دون الواجبات، بينما اهتم ميثاق الطفل في الإسلام ببيان واجبات الطفل حسب مراحله العمرية المختلفة.. كالالتزام بطاعة الله، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ورعاية الحقوق الاجتماعية، والآداب العامة وغير ذلك مما حث عليه الإسلام.
كذلك اهتم ميثاق الطفل في الإسلام بسدِّ الثغرات التي أغفلتها المواثيق الدولية.. كإغفال حق الطفل في أن يأتي من خلال زواج شرعي بين رجل وامرأة، وحق الجنين في الحياة، والاحتفاظ بحقوقه المعنوية والمادية؛ حتى يولد حيًّا، وعدم إجهاضه إلا في حدوث ضرر محقَّق للأم، وكذلك حق الطفل في الانتساب لوالديه الحقيقيين، وحقه في الرضاعة من أمه الحقيقية، وكذلك حقُّه على والديه ومن يقوم مقامهما، في تعليمه قواعد الإيمان، وإكسابه القيم الأخلاقية الرفيعة، والنص على أهمية نشأته في أسرة حقيقية ومحضن طبيعي.. وهذه الحقوق وغيرها تكتسب صفة الواجب والفرض ولا يمكن التنازل عنها.
فيما عرضت المهندسة كاميليا حلمي- مدير اللجنة الإسلامية العلمية للمرأة والطفل- لتاريخ وتطور مصطلح الجندر من حيث: المنشأ، والمدلول، والأثر في ورقتها، من خلال استعراض تاريخ الحركات الأنثوية المتطرفة التي ارتبط المصطلح بها، وأوضحت أن الفارق بين الدعوة إلى تحرير المرأة Women"s Liberation Movement وإنصافها، وبين النـزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في الغرب في ستينيات القرن العشرين- والتي تقلدها قلة قليلة من النساء الشرقيات- لهو فارق جوهري في الأهداف والمفاهيم والتطبيقات؛ حيث استهدفت دعوات وحركات تحرير المرأة إنصافَها من الغبن الاجتماعي والتاريخي، الذي لحِق بها في القرون السابقة للحضارة الغربي، مع الحفاظ على فطرة التميز بين الأنوثة والذكورة، وتمايُز توزيع العمل وتكامله في الأسرة والمجتمع على النحو الذي يحقق مساواة الشِّقَّيْن المتكاملين بين الرجال والنساء دون إعلان للحرب على الدين أو على الفطرة أو على الرجل، على العكس من النـزعة الأنثوية المتطرفة Feminism أو الأنثوية الراديكالية التي أعلنت الحرب على الرجال، وعلى الدين، وحتى على التاريخ الذي وصفته على أنه تاريخ "ذكوري" يحكي قصة الرجل!! حتى الخالق (جل وعلا).. وصفته تلك الحركات المتطرفة بأنه "ذكوري"!! ورفضت هؤلاء النسويات أن تقوم المرأة بدورها الفطري في تربية الأطفال، وعملت جاهدةً على إخراج المرأة للعمل؛ بهدف الاستقلال الاقتصادي.
وحقَّرت كثيرًا من قيمة الدور الجليل الذي تقوم به الأم في تنشئة الأجيال؛ بحجة أنه عمل غير مدفوع الأجر، والحركة الأنثوية عندما تتحدث عن تمكين المرأة Empowerment Women فإنها تعني تمكين المرأة في صراعها مع الرجل، ولا تعني بها إصلاح وضع المرأة، وبالتالي فقد طالبت بإلغاء ريادة الزوج للأسرة، بل تمادت إلى رفض الأسرة والزواج باعتبارها سجنًا للمرأة، وطالبت بملكية المرأة لجسدها وحريتها التامة في الممارسة الجنسية مع من تشاء.
ولعلاج ظاهرة الحمل المبكر التي نشأت بسبب تلك الحرية طالبت تلك الحركات بتعليم الجنس للصغار في المدارس في المرحلة الابتدائية، وتسهيل الحصول على موانع الحمل، ورفع الحظر عنها، وتوفيرها في الجامعات والمدارس، بأسعار رمزية أو بدون سعر، وتمكين المراهقين والمراهقات من الحصول عليها، وذلك تلاشيًا لحدوث الحمل المبكر، وانتقال الأمراض التناسلية، واستكمالاً للمنظومة طالبت بإباحة الإجهاض وقتل الجنين، وإنما يقولون "حق المرأة في الاختيار" وغير ذلك.
وطالبت تلك الحركات بإعادة صياغة اللغة، وهنا ظهر مصطلح النوع Gender بدلاً من رجل وامرأة لوصف علاقة الجنسين، وتوسيع مفهوم الأسرة لتكون هناك أسرة تقليدية وأسرة غير تقليدية، أو لا نمطية، خاصة بالشاذين جنسيًّا، أو مجموعات إباحية تعيش مع بعض، وكلمة "الأدوار النمطية" لوصف الأدوار الأساسية لكل من الرجل والمرأة في الأسرة، وكلمة يقولون "حق المرأة في الاختيار" بدلاً من الإجهاض وقتل الجنين.. وغير ذلك.. وهنا مكمن الخطر.. فإن الذي تغير ليس حروفًا وكلمات وإنما مضامين ومعاني وثقافة وفكر.
كما حذرت الورقة من سعي الأنثوية إلى تعميم علاقات، ومفهوم النوع بما يعرف بإدماج منظور الجندر (مؤسسة الجندر Gender Mainstreaming) في كل مناحي الحياة، ومؤسسات المجتمع، سواء الحكومية أو غير الحكومية؛ وذلك بهدف عمل تغيير جذري في مجموع علاقات الجنسين داخل الأسرة وفي المجتمع على حد سواء؛ مما يهدد بهدم النظام الأسري الذي تتمتع به مجتمعاتنا الشرقية والمسلمة، ويجعلها عرضةً للضياع تمامًا كما هو حال المجتمعات الغربية.
المؤسسات الدولية الباب الملكي للأنثوية
وأوضحت الورقة أن السبيل إلى تعميم تلك الأفكار الشاذة هو عولمتها، وختمها بختم الأمم المتحدة والتي استولت الحركة الأنثوية الغربية المتطرفة على "لجنة المرأة" فيها، ونجحت في صياغة هذا الشذوذ في "وثائق دولية" مرورًا باتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW" 1979م، ووثيقة مؤتمر السكان سنة 1994م، ووثيقة بكين 1995م وحتى اتفاقية حقوق الطفل 1990م، وتلتها وثيقة عالم جدير بالأطفال2002م، فغدا هذا العوج الفكري والشذوذ السلوكي جزءًا من المنظومة الغربية التي يراد فرضها- بالعولمة- على العالمين.
التربية في زمن العولمة
وتناولت د.حياة المسيمي عضو البرلمان الأردني عن حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن عن التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة، مؤكدةً على أن النساء محورٌ رئيسيٌّ من محاور التغيير في المجتمعات المختلفة، ولقد توجهت إليهن العديد من دعوات التغيير على اعتبار أنهن الأكثر ضعفًا والأقل إنصافًا؛ لذا فقد عقدت الكثير من المؤتمرات العالمية، وقدمت مشاريع القوانين، وتشكلت الجمعيات والمنظمات الأهلية التي اهتمت بشأنها، ولا يخفى على أحد أن هناك أبعادًا سياسية واجتماعية وراء هذه الدعوات؛ مما يفرض على مفكري وعلماء المسلمين استقراء واقع المرأة في ظل التطورات المتلاحقة في زمن العولمة، وما يفرضه ذلك من تحديات تواجه الأسرة، خاصةً فيما يتعلق بالتربية في ظل العولمة التي أتت بقيم ومفاهيم جديدة، تهدد كيان الأسر في بعض جوانبها، مثل بروز مفاهيم جديدة تحدد الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء.
كما أن العولمة قد دعمت بعض المفاهيم الجديدة التي تدفع بقيم ومفاهيم تربوية راسخة في نفوس الأبناء والأسر؛ مما أورث العديد من الإشكالات، مثل الفوضى الداخلية، والنظر إلى الدين باعتباره سلاحَ المفاهيم القديمة التي ينبغي التخلص منها.
ودعت الدكتورة "المسيمي"- في نهاية ورقتها- المرأةَ المسلمةَ إلى المحافظة على هويتها المسلمة في زمن العولمة، الذي تُحارَب فيه الهوية الدينية والوطنية والقومية؛ بحيث يكون الناس لا دينيين ولا وطنيين، وذلك من خلال حسن الاتصال بكتاب الله؛ فهو المرجع الأساسي لكل الأمور، والتخصص العلمي الدقيق والقراءة والمتابعة اليومية، والمشاركة في الأنشطة العامة، والخروج من دائرة الذات في زمن الفضائيات المفتوحة.
شباب العولمة
كما حذر المفكر الكبير "حسين الرواشدة" من خطورة غياب المشروع الوطني أو العربي أو الإسلامي، الذي يمكن أن يستوعب طاقات الشباب، وإذا كان التطرف والانغلاق يشكلان أخطارًا لا يوازيهما سوى أخطار الانفتاح غير المحسوب والميوعة غير المنضبطة.. فإن الانسحاب من العمل العام، وإصابة الشباب باليأس والقنوط لا يقل تأثيرًا وخطرًا عن سابقيه، بل إن افتقاد الشباب للمشروع والهدف والقضية، وانتشار البطالة، والعزوف عن المشاركة، واعتماد مؤسسات الدول على الحلول الأمنية، بدلاً من الحلول الاجتماعية والحوار والتواصل مع الشباب، تشكل تحدياتٍ قائمةً، لا بد من محاصرتها إذا أردنا لمجتمعاتنا السلامة، وتفعيل دور الشباب، وترشيد طاقاته المهدرة.
وقد جاءت مقررات مؤتمر (الأسرة.. في ظل العولمة)، الذي نظمته جمعية (العفاف) الخيرية بالأردن برعاية وزير الإعلام الأسبق بالأردن في 26 يونيو 2004م بمدينة عمان تحت شعار "أسرتنا حصن أمتنا"، والذي يأتي ضمن احتفالات الجمعية بالسنة الدولية للأسرة، وبمشاركة المجلس الوطني لشئون الأسرة، ووزارة الأوقاف، وبعض نواب البرلمان الأردني، ودائرة قاضي القضاة، وإدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام، ومنظمة اليونيسيف بالأردن، بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الدولية، ومنها اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بمصر.
وقد حذر المشاركون في المؤتمر من خطورة التمويل الأجنبي، وأثره على توجيه برامج المؤسسات الاجتماعية، ودعا المؤتمر علماء المسلمين وقادة الفكر إلى العمل على تأصيل المصطلحات والمفاهيم الأساسية الخاصة بالأسرة والمرأة والطفل، وتحريرها من اللبس والغموض والتشويه المتعمَّد، ونشرها وترجمتها إلى اللغات الأخرى.
كما أوصى المؤتمر بإدخال المفاهيم المتعلقة بالأسرة إلى مناهج التربية والتعليم المختلفة، وبما يتناسب مع المرحلة العمرية؛ لما لذلك من أثر كبير في تعزيز المفاهيم الصحيحة، والمستمدة من تعاليم دينها الحنيف وقيمها الأصيلة؛ من خلال وضع إستراتيجية وطنية للتعامل مع القضايا الاجتماعية وِفْقَ دراسة منهجية تراعي الأولويات الاجتماعية، وتنبثق من عقيدة الأمة وقيمها الأصيلة.
وركزت أوراق المؤتمر على ضرورة توضيح المفهوم الصحيح للأسرة، واعتبار الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى هو المدخل الوحيد لبناء الأسرة.
الطفل بين الإسلام والغرب
ونبهت الدكتورة مكارم الديري- الأستاذ بجامعة الأزهر- إلى خطورة ما تضمه المواثيق الدولية الخاصة بالطفل، من إشكاليات وسلبيات وقعت فيها هذه المواثيق، منها ما يتعلق بالتناقض في نصوص مواد الاتفاقيات، ومنها ما هو خاص بمصطلحات الوثائق: كمصطلح الصحة الإنجابية والجنسية للمراهقين، ومنها ما يتعلق بماهية مشكلات الطفل في كل دولة، والتي أغفلتها هذه الوثائق، وحاولت فرض النموذج الغربي لتنظيم حياة الأطفال في العالم وعولمتها.. بما في ذلك من إباحة للحرية الجنسية للمراهقين، والمطالبة برعاية الدول لمن أسمتهم بالناشطين جنسيًّا، مع المطالبة بالاعتراف بحقوق الشواذ، ومساواتهم بالأسوياء، وغير ذلك من المطالبات المرفوضة من آدابنا الدينية والأخلاقية.
ميثاق الطفل في الإسلام
وتؤكد ورقة الدكتورة "مكارم"- دراسةً نقديةً بين ميثاق الطفل في الإسلام والمواثيق الدولية"- أن تلك المطالب غير الشرعية- حسب إسلامنا- قد شكلت دافعًا قويًّا لوضع ميثاق الطفل في الإسلام لسدِّ الثغرات التي أغفلتها المواثيق الدولية عن الطفل، والتي اهتمَّت بشكل صارخ بالحقوق دون الواجبات، بينما اهتم ميثاق الطفل في الإسلام ببيان واجبات الطفل حسب مراحله العمرية المختلفة.. كالالتزام بطاعة الله، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ورعاية الحقوق الاجتماعية، والآداب العامة وغير ذلك مما حث عليه الإسلام.
كذلك اهتم ميثاق الطفل في الإسلام بسدِّ الثغرات التي أغفلتها المواثيق الدولية.. كإغفال حق الطفل في أن يأتي من خلال زواج شرعي بين رجل وامرأة، وحق الجنين في الحياة، والاحتفاظ بحقوقه المعنوية والمادية؛ حتى يولد حيًّا، وعدم إجهاضه إلا في حدوث ضرر محقَّق للأم، وكذلك حق الطفل في الانتساب لوالديه الحقيقيين، وحقه في الرضاعة من أمه الحقيقية، وكذلك حقُّه على والديه ومن يقوم مقامهما، في تعليمه قواعد الإيمان، وإكسابه القيم الأخلاقية الرفيعة، والنص على أهمية نشأته في أسرة حقيقية ومحضن طبيعي.. وهذه الحقوق وغيرها تكتسب صفة الواجب والفرض ولا يمكن التنازل عنها.
فيما عرضت المهندسة كاميليا حلمي- مدير اللجنة الإسلامية العلمية للمرأة والطفل- لتاريخ وتطور مصطلح الجندر من حيث: المنشأ، والمدلول، والأثر في ورقتها، من خلال استعراض تاريخ الحركات الأنثوية المتطرفة التي ارتبط المصطلح بها، وأوضحت أن الفارق بين الدعوة إلى تحرير المرأة Women"s Liberation Movement وإنصافها، وبين النـزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في الغرب في ستينيات القرن العشرين- والتي تقلدها قلة قليلة من النساء الشرقيات- لهو فارق جوهري في الأهداف والمفاهيم والتطبيقات؛ حيث استهدفت دعوات وحركات تحرير المرأة إنصافَها من الغبن الاجتماعي والتاريخي، الذي لحِق بها في القرون السابقة للحضارة الغربي، مع الحفاظ على فطرة التميز بين الأنوثة والذكورة، وتمايُز توزيع العمل وتكامله في الأسرة والمجتمع على النحو الذي يحقق مساواة الشِّقَّيْن المتكاملين بين الرجال والنساء دون إعلان للحرب على الدين أو على الفطرة أو على الرجل، على العكس من النـزعة الأنثوية المتطرفة Feminism أو الأنثوية الراديكالية التي أعلنت الحرب على الرجال، وعلى الدين، وحتى على التاريخ الذي وصفته على أنه تاريخ "ذكوري" يحكي قصة الرجل!! حتى الخالق (جل وعلا).. وصفته تلك الحركات المتطرفة بأنه "ذكوري"!! ورفضت هؤلاء النسويات أن تقوم المرأة بدورها الفطري في تربية الأطفال، وعملت جاهدةً على إخراج المرأة للعمل؛ بهدف الاستقلال الاقتصادي.
وحقَّرت كثيرًا من قيمة الدور الجليل الذي تقوم به الأم في تنشئة الأجيال؛ بحجة أنه عمل غير مدفوع الأجر، والحركة الأنثوية عندما تتحدث عن تمكين المرأة Empowerment Women فإنها تعني تمكين المرأة في صراعها مع الرجل، ولا تعني بها إصلاح وضع المرأة، وبالتالي فقد طالبت بإلغاء ريادة الزوج للأسرة، بل تمادت إلى رفض الأسرة والزواج باعتبارها سجنًا للمرأة، وطالبت بملكية المرأة لجسدها وحريتها التامة في الممارسة الجنسية مع من تشاء.
ولعلاج ظاهرة الحمل المبكر التي نشأت بسبب تلك الحرية طالبت تلك الحركات بتعليم الجنس للصغار في المدارس في المرحلة الابتدائية، وتسهيل الحصول على موانع الحمل، ورفع الحظر عنها، وتوفيرها في الجامعات والمدارس، بأسعار رمزية أو بدون سعر، وتمكين المراهقين والمراهقات من الحصول عليها، وذلك تلاشيًا لحدوث الحمل المبكر، وانتقال الأمراض التناسلية، واستكمالاً للمنظومة طالبت بإباحة الإجهاض وقتل الجنين، وإنما يقولون "حق المرأة في الاختيار" وغير ذلك.
وطالبت تلك الحركات بإعادة صياغة اللغة، وهنا ظهر مصطلح النوع Gender بدلاً من رجل وامرأة لوصف علاقة الجنسين، وتوسيع مفهوم الأسرة لتكون هناك أسرة تقليدية وأسرة غير تقليدية، أو لا نمطية، خاصة بالشاذين جنسيًّا، أو مجموعات إباحية تعيش مع بعض، وكلمة "الأدوار النمطية" لوصف الأدوار الأساسية لكل من الرجل والمرأة في الأسرة، وكلمة يقولون "حق المرأة في الاختيار" بدلاً من الإجهاض وقتل الجنين.. وغير ذلك.. وهنا مكمن الخطر.. فإن الذي تغير ليس حروفًا وكلمات وإنما مضامين ومعاني وثقافة وفكر.
كما حذرت الورقة من سعي الأنثوية إلى تعميم علاقات، ومفهوم النوع بما يعرف بإدماج منظور الجندر (مؤسسة الجندر Gender Mainstreaming) في كل مناحي الحياة، ومؤسسات المجتمع، سواء الحكومية أو غير الحكومية؛ وذلك بهدف عمل تغيير جذري في مجموع علاقات الجنسين داخل الأسرة وفي المجتمع على حد سواء؛ مما يهدد بهدم النظام الأسري الذي تتمتع به مجتمعاتنا الشرقية والمسلمة، ويجعلها عرضةً للضياع تمامًا كما هو حال المجتمعات الغربية.
المؤسسات الدولية الباب الملكي للأنثوية
وأوضحت الورقة أن السبيل إلى تعميم تلك الأفكار الشاذة هو عولمتها، وختمها بختم الأمم المتحدة والتي استولت الحركة الأنثوية الغربية المتطرفة على "لجنة المرأة" فيها، ونجحت في صياغة هذا الشذوذ في "وثائق دولية" مرورًا باتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW" 1979م، ووثيقة مؤتمر السكان سنة 1994م، ووثيقة بكين 1995م وحتى اتفاقية حقوق الطفل 1990م، وتلتها وثيقة عالم جدير بالأطفال2002م، فغدا هذا العوج الفكري والشذوذ السلوكي جزءًا من المنظومة الغربية التي يراد فرضها- بالعولمة- على العالمين.
التربية في زمن العولمة
وتناولت د.حياة المسيمي عضو البرلمان الأردني عن حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن عن التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة، مؤكدةً على أن النساء محورٌ رئيسيٌّ من محاور التغيير في المجتمعات المختلفة، ولقد توجهت إليهن العديد من دعوات التغيير على اعتبار أنهن الأكثر ضعفًا والأقل إنصافًا؛ لذا فقد عقدت الكثير من المؤتمرات العالمية، وقدمت مشاريع القوانين، وتشكلت الجمعيات والمنظمات الأهلية التي اهتمت بشأنها، ولا يخفى على أحد أن هناك أبعادًا سياسية واجتماعية وراء هذه الدعوات؛ مما يفرض على مفكري وعلماء المسلمين استقراء واقع المرأة في ظل التطورات المتلاحقة في زمن العولمة، وما يفرضه ذلك من تحديات تواجه الأسرة، خاصةً فيما يتعلق بالتربية في ظل العولمة التي أتت بقيم ومفاهيم جديدة، تهدد كيان الأسر في بعض جوانبها، مثل بروز مفاهيم جديدة تحدد الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء.
كما أن العولمة قد دعمت بعض المفاهيم الجديدة التي تدفع بقيم ومفاهيم تربوية راسخة في نفوس الأبناء والأسر؛ مما أورث العديد من الإشكالات، مثل الفوضى الداخلية، والنظر إلى الدين باعتباره سلاحَ المفاهيم القديمة التي ينبغي التخلص منها.
ودعت الدكتورة "المسيمي"- في نهاية ورقتها- المرأةَ المسلمةَ إلى المحافظة على هويتها المسلمة في زمن العولمة، الذي تُحارَب فيه الهوية الدينية والوطنية والقومية؛ بحيث يكون الناس لا دينيين ولا وطنيين، وذلك من خلال حسن الاتصال بكتاب الله؛ فهو المرجع الأساسي لكل الأمور، والتخصص العلمي الدقيق والقراءة والمتابعة اليومية، والمشاركة في الأنشطة العامة، والخروج من دائرة الذات في زمن الفضائيات المفتوحة.
شباب العولمة
كما حذر المفكر الكبير "حسين الرواشدة" من خطورة غياب المشروع الوطني أو العربي أو الإسلامي، الذي يمكن أن يستوعب طاقات الشباب، وإذا كان التطرف والانغلاق يشكلان أخطارًا لا يوازيهما سوى أخطار الانفتاح غير المحسوب والميوعة غير المنضبطة.. فإن الانسحاب من العمل العام، وإصابة الشباب باليأس والقنوط لا يقل تأثيرًا وخطرًا عن سابقيه، بل إن افتقاد الشباب للمشروع والهدف والقضية، وانتشار البطالة، والعزوف عن المشاركة، واعتماد مؤسسات الدول على الحلول الأمنية، بدلاً من الحلول الاجتماعية والحوار والتواصل مع الشباب، تشكل تحدياتٍ قائمةً، لا بد من محاصرتها إذا أردنا لمجتمعاتنا السلامة، وتفعيل دور الشباب، وترشيد طاقاته المهدرة.