خاطبت النيابة العامة المصرية السلطات القضائية في أكثر من 100 دولة حول العالم من أجل القيام بتجميد أموال الرئيس السابق محمد حسني مبارك وزوجته وأكثر من 150 مسئولاً مصريًّا سابقًا على رأسهم أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق وزوجته، وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وعائلته، وأحمد عز وزوجاته ونجله.
كما أن الدول المعنية بالتحفظ على أموال 19 شخصًا من القائمة، كما قامت سويسرا وتونس بتجميد بعض الأموال الموجودة لديها.
في المقابل خاطب المستشار د. عبد المجيد النائب العام, المستشار هشام الدرندلي المحامي العام الأول من أجل القيام بمراسلة الدول التي بينها، وبين مصر اتفاقيات دولية في رد الأموال من خلال حكم قضائي.
وعلى الرغم من تجاوب بعض الدول بتجميد أموال المسئولين السابقين إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تجمد أي دولار حتى الآن، على الرغم من تجميدها أكثر من مليار ونصف مليار دولار من أموال معمر القذافي.
(إخوان أون لاين) فتحت ملف الأموال المهربة وسبل استعادتها مرة أخرى إلى مصر.. فإلى تفاصيل التحقيق:
المحاكمة أولاً
الصورة غير متاحة
د. إبراهيم درويش
في البداية يقول الفقيه الدستوري، وأستاذ القانون المستشار الدكتور إبراهيم درويش: إن كل ما يقال حول عودة الأموال المهربة من مصر إلى البلاد مرة أخرى ضرب من الخيال؛ نتيجة لتعقد الإجراءات القانونية المطلوبة من أجل إثبات أحقية مصر في تلك الأموال.
ويتابع: إن الأمر أخطر بكثير، حيث يتم استخدام الأموال المهربة في عمليات غسل أموال، ويتم استغلال تلك الأموال في شكل سندات وصكوك وأصول ثابتة، ويتم بيعها من طرف إلى طرف حتى تتلاشى ملامحها الأساسية إلى الأبد، ويصعب على المتتبعين لها أن يتتبعوها أو يقتفوا أثرها ويعرفوا مصدرها الرئيسي.
وأردف قائلاً: أما إذا صممت الحكومة على استرداد الأموال فعليها إتباع الأطر القانونية في سعيها إلى استرداد تلك الأموال، والعمل على توكيل مجموعة من المحامين، وأساتذة القانون الدولي المهرة من أجل استرداد الأموال.
إلا أن إبراهيم درويش يستدرك قائلاً: إن كل تلك الخطوات لا جدوى منها إذا فشلت الحكومة في إثبات أحقية مصر في تلك الأموال دون إصدار أحكام نهائية في تلك القضايا ضد المتهمين في عمليات تهريب الأموال سواء كان مبارك، وزوجته، أو أولاده وأركان نظامه السابق.
ويقول درويش: إن على الحكومة الاستمرار في تعقب تلك الأموال، والسرعة في البت في مدى جرم مبارك من عدمه في ما يتعلق بتهريب الأموال، وفي حالة ثبوت التهمة على الرئيس المخلوع فإن على الحكومة مخاطبة الدول التي يقال إن بها أموال مبارك وأركان نظامه، مع تقديم كل الأحكام التي أصدرها القضاء المصري بشكل نهائي لا رجوع فيه ولا نقض له.
ويبدي درويش تعجبه في النهاية من تباطؤ الحكومة في اتخاذ كل ما هو مناسب من أجل العمل سريعًا على عودة الأموال المهربة من مصر حتى يستفيد منها الاقتصاد المصري بشكل أو بآخر، ويتم استخدامها في تسديد الديون والعمل على استثمارها في المجالات الاقتصادية المختلفة.
استعادة الأموال سهلة
من جانبه طرح سمير خطاب مدير عام في وزارة المالية رؤيته حول سبل عودة الأموال المهربة خارج البلاد، وقال: إنه سوف يتقدم بها إلى وزير المالية ورئيس الوزراء حتى يتسنى لهم اتخاذ التدابير اللازمة من أجل استعادة تلك الأموال من الخارج.
ويقول خطاب في رؤيته التي طرحها: حفاظًا على أموال مصر التي نهبها الكبار من المسئولين دون رحمة ولا هوادة، بل تسارعوا وتصارعوا فيما بينهم على الاستيلاء عليها لهم ولغيرهم، مستغلين طيبة الشعب وضعف الرقابة والقوانين المفصلة بمعرفتهم، وتسليط سياط التعذيب على أجساد المعارضين وحبس الشرفاء.
ويستطرد قائلاً: حتى نسترد الأموال المنهوبة علينا عمل التالي: الأمر الأول يتلخص في سرعة إنهاء إجراءات التحقيق، وإصدار الأحكام ضد المتهمين، الأمر الثاني تحويل جميع الأموال وأرباحها بالبنوك والجهات المودعة فيها الأموال إلى حساب جديد باسم مصر، الأمر الثالث حصول البنوك والجهات المودعة فيها الأموال على عمولة تحصيل، أو عمولة تسهيل استرداد بنسبة 10% من إجمالي الأموال المهربة.
ويتابع: يجب بقاء الأموال لدى البنوك والجهات المودعة فيها لمدة 3 سنوات، الأمر الآخر أن تبدأ السنوات الثلاث من أول يوم تحويل جميع الأموال، وأرباحها إلى الحساب باسم مصر، الأمر التالي تحصل مصر على نسبة أرباح تعادل 50% من نسبة الأرباح السنوية التي تصرفها البنوك للمودعين على الأموال طيلة السنوات الثلاث، وبعدها تحصل على نسبة الأرباح كاملة.
ويكمل: يحق لمصر سحب ما قيمته 15% من إجمالي المبالغ من أول يوم من السنة الأولى على دفعات، أو دفعة واحدة حسب ما تقضيه الأحوال دون تدخل البنك في ذلك، وبعدها يحق لمصر سحب 10% من إجمالي المبالغ من أول يوم من السنة الثانية على دفعات، أو دفعة واحدة حسب ما تقتضيه أحوال مصر. وبعد ذلك يحق لمصر سحب 10% من إجمالي المبالغ من أول يوم من السنة الثالثة على دفعات، أو دفعة واحدة كما تقتضي حالة مصر دون تدخل البنك في ذلك.
ويقول: يحق لمصر من أول يوم من السنة الثانية سحب أرباح الأموال كاملة عن السنة الأولى، ويحق لها من أول يوم في السنة الثالثة، ومن ثم تقوم بسحب أرباح الأموال كاملة وفي النهاية تسحب مصر كل الأموال مع أرباحها.
ويربط سمير خطاب رؤيته بمدى جدية الحكومة في محاكمة المتهمين والمسئولين عن تهريب الأموال خارج مصر ومدى ثبوت الاتهامات ضدهم.
سيادة القانون
الصورة غير متاحة
عبد الله خليل
فيما دعا خبير القانون الدولي عبد الله خليل إلى ضرورة تفهم طبيعة الدول التي تم تهريب أموال مصر إليها من جانب النظام السابق، وعلى رأسه مبارك، مشيرًا إلى أن تلك الدول لا تعترف إلا بالمطالب القانونية التي تصدر مدعومة بأحكام قانونية نهائية غير قابلة للطعن فيها ولا النقض.
وأكد أن الدول الغربية التي تم تهريب الأموال المصرية إليها السنوات الماضية تعتمد في إطارها القضائي على سيادة القانون، ولا مجال هناك لتخطي دور القانون مهما كانت الضغوط التي تتم ممارستها، وإن القضاء في تلك البلاد يتمتع باستقلالية تامة بعيدًا عما يقال عن وساطات تتم هنا أو هناك لإخفاء أموال الرئيس المخلوع.
وأشار خليل إلى أنه في حالة حدوث تراخٍ في استعادة الأموال فمرجعه إلى تراخي الحكومة المصرية، وليس تباطؤ الدول الغربية التي تمتلك حسابات مبارك ونظامه المخلوع؛ لأن الدول الغربية تتعامل وفقًا للقانون وأطره، وتتوفر لديها كل أنماط الشفافية والمصارحة.
وطالب مصر بالتقدم بمقاضاة النظام السابق أمام القضاء السويسري لاستعادة الأموال وعدم الانتظار إلى حين الانتهاء من التحقيقات، وأكد ضرورة أن تكون المحاكمات التي تتم الآن لكشف صحة الاتهامات الموجهة إلى النظام السابق نزيهة أمام القضاء الطبيعي، وليس العسكري، ولا يكون هناك ضغوط تمارس على المحكمة التي تنظر تلك الاتهامات حتى يستطيع القاضي اتخاذ القرارات العادلة البعيدة عن الجور والظلم، وشدد على ضرورة الامتناع عن تسيير المظاهرات والاعتصامات وتشكيل مجموعات الضغط من أجل الضغط على القاضي لاتخاذ قرارات تصب في صالح المتظاهرين، ولكن يجب ترك القاضي يتحرك بكامل أهليته، وحريته من أجل إنجاز الأمر بعدالة تامة.
وأشار إلى ضرورة أن تقوم الحكومة بمصارحة الشعب بالإجراءات التي تقوم بها من أجل استعادة الأموال المهربة، رافضًا مبدأ السرية التام الذي تقوم به الحكومة في هذا الشأن، وناشد الحكومة بضرورة إشراك الشعب في متابعة عودة الأموال المهربة؛ حتى يطمئن إلى أن الحكومة لا تتباطأ ولا تتواطأ في عودة الأموال.
السفارات والمنظمات المدنية
من جانبه يرى الدكتور أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولي العام ووكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة أن المجتمع المدني يقع عليه عبء كبير في مؤازرة الحكومة من أجل استعادة الأموال المهربة والعمل على محاكمة النظام السابق، وعلى رأسه مبارك، وطالب بضرورة التنسيق بين منظمات المجتمع المدني والحكومة من خلال التنسيق مع المؤسسات القانونية المختلفة بالداخل، وبين نظيراتها في الدول الغربية من أجل استعادة الأموال.
وأشار إلى أن السفارات المصرية بالخارج عليها دور كبير في ذلك من خلال مساعدة الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدني والتنسيق بينها وإمدادها بالمعلومات الكافية واتخاذ الإجراءات الكاملة من أجل إعادة الأموال.