برامج الـ(توك شو ) بالفضائيات أصبحت منبرًا لفلول الوطني
- راضي: احتكار اليساريين والعلمانيين الموالين للمخلوع أفسد الإعلام
- الغضبان: لا يوجد برنامج حواري ليس له أجندة خاصة يسعى لفرضها
- خليل: عدم الالتزام بالقواعد المهنية يُحوِّل البرامج إلى أحزاب سياسية
لعبت برامج "التوك شو" دورًا مهمًّا في الحياة السياسية والتأثير على رأي الشارع المصري وتوجيهه قبل الثورة، وشاركت بشكلٍ كبير في تشكيل ديكور إعلامي معارض يخدم في المقام الأول مصالح النظام البائد، ملتزمةً في ذلك بعدة خطوط حمراء لا يتجاوزها أحد.
وما زالت هذه البرامج تمارس هذا الدور أيضًا بعد الثورة بنفس الوجوه الموالية للنظام المخلوع والباكية عليه، إلا أنهم يتبعون أسلوبًا جديدًا في خدمة أربابهم وأصحاب الفضل عليهم من خلال تبني مواقف سياسية مخالفة لما استقرت عليه جموع الشعب المصري، بل وإجبار المواطنين عليها.
وهو ما ظهر جليًّا خلال تعاطي برامج "التوك شو" لموضوع "الدستور" و"الانتخابات" والجدل السياسي الدائر حولهما؛ حيث تبنت هذه البرامج موقفًا سياسيًّا غير حيادي، وركن مقدموها إلى معسكر المنادين بـ"الدستور أولاً"، فارضين وجهة نظرهم على المواطنين وحاملين إياهم عليها، منقلبين على رأي الشعب الذي أقرَّه في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ورسم خريطة التحول الديمقراطي، بالانتخابات أولاً ثم وضع الدستور.
هذا الموقف السياسي إلى جانب الخلفيات السياسية السابقة لمقدمي هذه البرامج وأصحاب القنوات التي يعملون بها، يدفعان إلى الريبة والشك في المواقف الوطنية لهذه البرامج التي تريد أن تدخل مصر في مرحلةٍ من الظلام والفوضى في حال الانقلاب على نتيجة الديمقراطية التي أقرَّها الشعب المصري بأغلبيته الساحقة.
ومن أبرز هذه البرامج "العاشرة مساءً" الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي التي بكت على الهواء في مشهدٍ أشبه بالمسلسلات الدرامية، مطالبةً الشعب المصري بأن يرحم مبارك ويكفَّ عن المطالبة برحيله عندما خرج المخلوع في خطابه الثاني محاولاً الالتفاف على الثورة وإخمادها بعباراته العاطفية، وقد أصبح برنامجها منبرًا للداعين إلى "الدستور أولاً" ولنصب الفخاخ لاغتيال شخصيات سياسية كبيرة، ورغم محاولات الشاذلي الظهور في صورة حيادية إلا أن تصرفاتها تكشف خروجها عن الحيادية في الدفاع عن وجهة النظر التي تتبناها ومهاجمة مَن يخالفها.
أما برنامج "بلدنا بالمصري"، والذي تقدمه المذيعة ريم ماجد فلم يتوقف عن المطالبة بالانقلاب على إرادة الشعب كحال كل برامج قناة (أون تي في) المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي بكى على الهواء إبَّان الثورة على الرئيس المخلوع، وقال بالحرف: "لا بد من الحفاظ على تاريخ وهيبة الرئيس ومقامه".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فلم تتوقف ريم عن التصادم مع قيم ومبادئ الشعب المصري؛ حيث استنكرت في إحدى حلقاتها ما أُشيع عن حذف المواقف المخلة بالأدب من الأفلام المصرية، معتبرةً أن ذلك يمثل ردةً للوراء، ومدافعةً عن موقفها بالقول إن القبلات والأحضان نوعٌ من الفن مثل أبيات الشعر وأضافت "ربنا يستر.. إحنا شكلنا كده رايحين على إيران أو أفغانستان".. هذه الألفاظ والتعبيرات سببت صدمةً لدى كثيرين؛ ما دفع بعض الشباب إلى إقامة عددٍ من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) للتعبير عن رفضهم لكلام ريم، وحولوه إلى مصدرٍ للسخرية والنكات، ومن هذه الصفحات: "أنا ضد قلة أدب ريم ماجد"، و"حملة ضد ريم ماجد كمذيعة"، و"كارهي ريم ماجد السوسة"، و"الحملة الخيرية لمساعدة ريم ماجد في الزواج بدلاً من مشاهدتها لأفلام القبلات"، و"لو بلدنا بالمصري حتبقى كده مش عاوزينها".
وفيما يخص برنامج (48 ساعة) على قناة (المحور) فله تاريخٌ غير مُشرِّف من مساندةٍ لنظام مبارك بكافة الوسائل، فبينما كان الشعب المصري يناضل في ميدان التحرير ويسيل دمه من أجل الحرية كان المذيعان سيد علي وهناء السمري يخرجان على الشعب كل يوم بقصةٍ جديدةٍ للتشكيك في الثورة من خلال استضافة ضيوف معادين لها من سياسيين وفنانين أو ضيوف يُشككون في أهداف الثورة ومن يقف وراءها مثل استضافة الصحفية نجاة عبد الرحمن على أنها من شباب الثورة، وذكرت أنها تلقت تدريبات في الولايات المتحدة مع شباب مصريين للقدرة على قلب نظام الحكم أو الحديث عن وجود إيرانيين في ميدان التحرير، وما أن سقط مبارك إذْ بهم يتبارون بالحديث عن إنجاز الشعب المصري وثورته العظيمة، ويتحدث سيد علي عن دوره ومشاركة أبنائه وزوجته في الثورة، والنزول إلى ميدان التحرير كل يوم، وقد أنشأ البعض أيضًا صفحات على (الفيس بوك) لرفض ما قام به سيد وهناء ويقومون به في البرنامج.
ويبقى ما يقدمه توفيق عكاشة في برنامجه "مصر اليوم" على قناة (الفراعين) الأكثر كوميديا بين كل البرامج التي يمتلكها في مناقشات تشبه حكاوي المصطبة ولا يمكن التعامل مع برنامجه على أنه يؤدي أداءً إعلاميًّا، بل يتحدث بما يخطر على باله فتارةً يقول إنه مُرَسلٌ من قِبل الله لإنقاذ الثورة المصرية من الدنس، ومرةً يستعرض نتائج استطلاع على رئاسة الجمهورية نظَّمه هو وأيضًا هو الفائز فيه، ومرةً أخرى يؤكد سعي العديد من أجهزة المخابرات الأجنبية لاغتياله، وفي إحدى طلاته البهية على شاشة (الفراعين) يتحدث عن تزغيط البط وأسعار المواشي، وبالطبع لا يمكن للشعب المصري أن ينسى أن هذا "العكاشة" كان قياديًّا في الحزب الوطني المنحل وتابعًا لفريق جمال مبارك، وقد انتشر له مقطع فيديو على الإنترنت وهو يُقبِّل يد صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق والمحبوس حاليًّا على ذمة عددٍ من القضايا، وقد وجد الشباب المصري في عكاشة مادةً دسمة للنكات والسخرية في العديد من المنتديات ومواقع الإنترنت.
وبالوقوف أمام برنامج "القاهرة اليوم" على قناة (أوربت) نجد الكثير من الأسئلة والاستفسارات فبعد أن كان يصرُّ مقدم البرنامج الإعلامي عمرو أديب على القول إن مبارك بالنسبة له خط أحمر ولا يستطيع أن ينقده ليس بسبب الرقابة بل لوازعٍ داخلي لديه، ووصل به إلى حدِّ تأكيد أن مبارك ونجله يدعمون الحريات ويرفضون التضييق على الإعلام، وبعد أن سقط مبارك إذا بأديب يبكي على الهواء في مشهدٍ يستحق عليه الأوسكار، مؤكدًا أنه كان من أكثر معارضي مبارك، ولاقى الكثير من المشاكل بسبب مواقفه، وقد انتشر على الكثير من المواقع مقطع فيديو لطرد أديب من ميدان التحرير من قِبل الثوار لموقفه السلبي من الثورة منذ بدايتها.
وفي تأكيد عدم اقتناع الشعب بمستوى برامج "التوك شو" انتشر على موقع (اليوتيوب) الكثير من المقاطع التي تتهكم على هذه البرامج وأدائها، وأشهرها البرنامج الساخر "باسم شو" الذي لاقى قبولاً كبيرًا ومشاهدة واسعة من قِبل المواطنين.
(إخوان أون لاين) يناقش توجه برامج التوك شو ومحاولات استخدامها في التأثير على الرأي العام في سطور التحقيق التالي:
برامج للإثارة
الصورة غير متاحة
محسن راضي
بدايةً يؤكد محسن راضى عضو الهيئة العليا لحزب "الحرية والعدالة" وعضو مجلس أمناء الثورة أن البرامج الحوارية (التوك شو) لا تلتزم بالمعايير المهنية والفنية المطلوبة؛ فهي تهدف في الأساس إلى الإثارة وزعزعة الأمن، وبث روح الفرقة والتنازع بين المصريين، خاصةً في هذه المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها البلاد، موضحًا أن المادة التي تقدمها هذه البرامج تدفع بالمواطن المصري إلى متاهة، وتجعله يشعر باليأس وعدم وجود رؤية مستقبلية للبلاد.
ويضيف أن أسلوب برامج "التوك شو" في التعامل مع القضايا المختلفة يعتبر مفسدةً تنعكس في بادئ الأمر على المواطن لتنسحب فيما بعد على المجتمع ككل، فأسلوب الإثارة الإعلامية التي تنتهجه هذه البرامج مقتبس من وسائل الإعلام الأمريكية، وهو يهدف لجذب أنظار المجتمع تجاه قضايا بعينها، أما في الحالة المصرية فهذا النوع من الإعلام غير صالح بل يضرُّ بمصلحة الوطن، موضحًا أنه يعتمد على فرض التوجهات السياسية لمقدميها ولأصحاب القنوات على المشاهدين.
ويرجع ذلك إلى احتكار التيار اليساري والعلماني الموالي للنظام البائد، على القنوات الفضائية الخاصة، وعلى البرامج المقدمة فيها، مشيرًا إلى موقف النظام السابق المقيد والمانع لأي فكر مغاير لهؤلاء من إطلاق فضائيات أو حتى العمل فيها، فما زالت الوجوه الإعلامية المنافقة للنظام السابق في أماكنها تبث سمومها وأفكارها المتطرفة للمواطنين، من خلال جلسات حوارية موجهة ومتحاملة.
ويشير أن ما يزيد من المشكلة ويشعل الأوضاع هو التنافس بين القنوات والبرامج المختلفة في الإثارة، وهو ما يدفع كل برنامج البحث عن أكثر الوسائل التي تحقق هذه الإثارة بغض النظر عن الفائدة منها فتقوم بعض البرامج بنصب الفخاخ لتيارات سياسية بعينها أو إلصاق التهم بالضيوف، ويظهر الأمر جليًّا في استقبال البرنامج لعددًا محدودًا من المداخلات تصبُّ جميعها في اتجاه واحد.
ويؤكد أن القنوات والبرامج التي تتعامل بهذه الطريقة تنتهك القوانين واللوائح، وأعراف ومواثيق الشرف الصحفي، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي يلعبه رأس المال في تحديد سياسات هذه البرامج، فصاحب القناة هو الذي يحدد سياساتها للترويج لأفكاره وتوجهاته السياسية.
ويشير إلى أن أغلب الإعلاميين من مقدمي هذه البرامج تلونوا مثل الحرباء ليجاروا الواقع ويسايروا الموجة بعد الثورة وتنحي الرئيس المخلوع، مضيفًا أنه حتى الآن لم يستفد الإعلام من الثورة المصرية ولم يتم تطهير أولم يغير سياساته.
ويدعو راضي المخلصين من السياسيين والإعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني أن يجتمعوا ليحددوا أولويات المرحلة الحالية التي تمرُّ بها البلاد لتجنب تشتيت المواطن أو إثارة الفتن والنزاعات وصياغة خطاب إعلامي يخدم هذه الأولويات بدلاً من التشاحن والخلاف.
غياب المهنية
الصورة غير متاحة
السيد الغضبان
ويوضح الإعلامي الكبير السيد الغضبان أن مهمة البرامج الحوارية هي مناقشة القضايا العاجلة والملحة، إلا أن جميعها لا تحقق الاعتبارات الأساسية للإعلام فغالبية المقدمين لا يحققون الجانب المهني فيحاولون دائمًا توجيه الحوار في اتجاه رأيهم الشخصي أو في اتجاه سياسة البرنامج، فأفضلهم يقوم بذلك من خلال عبارات رقيقة، أما الآخرون فيتدخلون بشكلٍ فجٍّ لفرض آرائهم وتصوراتهم على البرنامج والضيوف.
ويضيف أن هذه البرامج تعتمد الإثارة منهجًا أساسيًّا لجذب المشاهدين والقيمة الأهم في اختيار المواضيع للنقاش فتكون الأولوية للقضايا الأكثر إثارةً للرأي العام على حساب القضايا المهمة، حتى إنهم عند مناقشة قضايا تهم المجتمع يتم التركيز على جانب الإثارة فيها على حساب الموضوع.
ويشير إلى أن لكل برنامج فريقًّا من الضيوف لا يتغير فهم نجوم لكل فن، ومستشارون في كل موضوع، وخبراء في كل قضية، فلا يُتعب المعدون أنفسهم في البحث عن الأكثر قدرةً على تناول الموضوع المطروح، مشددًا على ضرورة إدراك قيمة المتخصصين والتعامل معهم واستضافتهم لإفادة المشاهدين والمجتمع.
ويؤكد أن برامج (التوك شو) لعبت دورًا مهمًّا في مرحلة ما قبل الثورة في توسيع دائرة الغضب الشعبي على النظام السابق من خلال التركيز على النقاط السلبية والاهتمام بقضايا الفساد والمظاهرات والاحتجاجات المختلفة، فكان لهم دور كبير دون قصد فقد كان هدفهم من تناول هذه القضايا هو الإثارة وجذب المشاهدين فقط.
ويوضح أن المرحلة الحالية تتميز بالتخبط الإعلامي والعشوائية في كل وسائل الإعلام بما في ذلك البرامج الحوارية، مرجعًا ذلك إلى سببين أولهما التخبط الحكومي وعدم وضوح الرؤية، والثاني أن الثورة لم يكن لها قائد فما أن سقط مبارك إلا وتبناها الآلاف من الآباء غير الشرعيين، لكل منهم توجه وسياسة وأهداف مختلفة عن الآخر، لا تلتقي في أي من جوانبها مع الإرادة الشعبية، مشيرًا إلى أن أغلب الآباء غير الشرعيين ملاك لهذه للقنوات التي تبث هذه البرامج فيستخدمونها لخدمة أهدافهم.
ويؤكد أن كل القنوات الناطقة بالعربية لها أجندات وأهداف ومصالح خاصة، موضحًا أنها إما تكون مملوكة لحكومات لها سياسات معينة تريد الترويج لها أو لرجال أعمال تابعين لهم مصالحهم الخاصة التي لا تتوافق بالطبيعة مع أهداف ورغبات المواطنين، قائلاً بلهجةٍ شديدة: "أتحدى أن تكون هناك قناة واحدة تُرعي مصالح الجماهير".
ويطالب بتحرك حكومي لإنشاء ورعاية وسائل إعلام حرة هدفها خدمة مصالح الجماهير والتعبير عن آرائهم، منتقدًا غياب هذا التوجه لدى الدولة في المرحلة الحالية، قائلاً: "لن يكون هناك أمل في إعلام مختلف إذا استمرَّت الدولة على موقفها".
الصورة غير متاحة
د. محمود خليل
من جانبٍ آخر يرى الدكتور محمود خليل الأستاذ بكلية الإعلام أن برامج (التوك شو) تشهد نموًا كبيرًا وملحوظًا في عددها بعد الثورة وسقوط نظام مبارك، فلا تكاد تخلو قناة من برنامج حواري، مشيرًا إلى أن مقدمي هذه البرامج أصبحوا نجومًا يفوقون نجوم الفن، وتتفاوت شعبيتهم باختلاف شعبية برامجهم.
ويضيف أن هذه البرامج خلقت شعبيةً لها قبل الثورة بسبب تبنيها للقضايا المهمة والملامسة لهموم المواطنين وتصديها في بعض الأحيان لقضايا الفساد إلا أن ذلك لم يكن هدفها، فقد لعبت من خلال هذه الممارسة دور النائحة التي تقول إن شيئًا لن يتغير لتصيب المواطنين باليأس والإحباط والشعور باستحالة تغيير الأوضاع، ملفتًا إلى أنها لعبت هذا الدور لخدمة حكومات الحزب الوطني المنحل السابقة.
ويشير إلى أن المرحلة الحالية تقتضي أن تلعب هذه البرامج دورًا محوريًّا في كشف المتآمرين على الوطن والثورة وتحرك الكتلة الصامتة التي لم تعرف دورها بعد، وتخلق وعيًّا سياسيًّا لدى المواطنين البسطاء الذين يعانون من قلة المعرفة السياسية، بدلاً من سماع مصطلحات غامضة من أصحاب "البدل والكرافتات" في هذه البرامج.
ويشدد على ضرورة ابتعاد مقدمي هذ البرامج عن لعب دور الزعامة السياسية، والالتزام بالمهنية؛ لأنهم إعلاميون وليسوا زعماء سياسيين، مؤكدًا أن العمل الإعلامي لا بد أن يقوم على الدقة والموضوعية وإدارة حوار متزنٍ يسمح بعرض جميع الآراء دون تدخل وتتبني أجندة المواطن، مؤكدًا أن أغلب هذه البرامج تبتعد عن المعايير المهنية وتمارس دور الأحزاب السياسية.