الحمد لله رب العالمين الذي شرف بلدنا العزيز مصر بالذكر خمس مرات في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: ﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 99).
الحمد لله الذي جعل مصر وشعبها أمنًا وأمانًا ونصرةً للطائعين، وجعل مصر وشعبها سخطًا وغضبًا وإذلالاً للعاصين والمتجبرين.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده، الذي جعل من أهل مصر خير أجناد الأرض وشرَّفهم بأنهم سيكونون في رباطٍ إلى يوم القيامة. فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندًا كثيفًا فذلك الجند خير أجناد الأرض". قال أبو بكر: لم يا رسول الله؟. قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة" (1).
فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد القائل: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط (2)، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا" (3)، وعن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخلتم مصر فاستوصوا بالأقباط خيرًا فإن لهم ذمةً ورحمًا" (4)، وعلى أصحابه وأهل بيته الطاهرين وعلى مَن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد..
اعتبارًا من الخامس والعشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر حتى الحادي عشر من فبراير عام ألفين وأحد عشر قدَّم كثيرٌ من أبناء مصر تضحياتٍ غالية لمصر، فمنهم من قدَّم وقته وماله، ومنهم من قدَّم نفسه وروحه، واستشهد الكثير من الشباب والرجال والفتيات من أجل أن تعم الحرية ويعم الأمن والأمان على أرض مصر وشعبها، ويذهب الظلم والفساد الذي ظلَّ جاثمًا على صدور المصريين سنواتٍ طوالاً.
فنسأل الله أن يتقبَّل ممن مات ويجعلهم جميعًا من الشهداء الذين قال الله فيهم: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)﴾ (آل عمران).
كما نسأله أن يتقبل ممن ضحَّى بوقته وماله من أجل مصر الغالية ويجعلهم ممن قال الله فيهم: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)﴾ (البقرة).
أيها المصريون.. إن كل مَن شارك في صنع ثورة 25 يناير 2011م، قد نال شرف هذه المشاركة وسينال أيضًا- إن شاء الله- ثواب كل خير وإصلاح يتم في مصر، وثواب كل فساد وظلم يرفع في مصر بسبب تلك الثورة المباركة فهنيئًا لكل مَن شارك في تلك الثورة فقد كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- : "إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناسًا مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمَن جعل الله مفاتيح الشر على يديه" (5).
أيها المصري.. يا مَن لم تشارك في الثورة أو شاركت في الثورة لقد جاء دورك الآن لكي تقدم شيئًا لبلدك مصر.. فاسأل نفسك ماذا سأقدم لمصر؟
نعم أنت تستطيع أن تقدم لمصر الكثير والكثير فعلى سبيل المثال
1- على المستوى الشخصي.. كن نموذجًا للمصري الصالح:
* فلا تكذب، وتذكر دائمًا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: "نعم" فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: "نعم" فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: "لا" (6).
* لا تدفع رشوةً من اليوم، وتذكر قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "الراشي والمرتشي في النار" (7).
* لا ترض بالظلم ولا تسكت عنه، فالذي حلَّ بنا من ظلمٍ وكدرٍ وتعبٍ وخوفٍ هو أننا إما رضينا بالظلم أو سكتنا عنه، والنبي- صلى الله عليه وسلم- كان دائمًا يحذر من ذلك.. فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (.
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم" (9) فإنّ الناس إذا تركوا زجر الظالم في وجهه والتحذير منه فإنّ الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم أي يقطع نصرته عنهم.
2- على مستوى الأهل: كن نموذجًا للزوج الصالح والأب الصالح:
* فكن خير الأزواج يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (10)، وأيضًا يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "خياركم خيركم لأهله" (11).
* وكن خير القدوة لأولادك.. يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- موجهًا كلامه للآباء والأمهات: "اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم من النار" (12).
3- على مستوى العمل كن نموذجًا للعامل الأمين الصالح:
* اعلم أن مَن أخذ رشوة فهو لص سارق خائن للأمانة، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" (13).
نعم مَن أخذ فوق راتبه شيئًا على سبيل الإكرامية، أو تسهيل الأمور، أو لأي سببٍ آخر فهو سارق، سارق.
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان ذلك غلولاً يأتي به يوم القيامة" (14).
فهل تحب أن تجمع المالَ من الحرام، فتأكل من الحرام، وتسكن في الحرام، وتُربِّي أولادك من الحرام وبعد هذا تأتي يوم القيامة في زمرةِ السارقين واللصوص، ويكون مصيرك النار، يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به" (15).
* إن أخذت الحق وأعطيت الحق فأنت مجاهد، نعم إن أديت عملك بأمانة ولم تجامل هذا وتترك هذا، ولم تضيع وقت عملك في قراءة الجرائد، أو التسالي وحل الكلمات المتقاطعة فأنت كالمجاهد، فعن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" (16).
4- على مستوى المجتمع:
* اجعل النصيحة شعارك.. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة، قلنا لمَن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (17).
* ومنع الظلم عملك.. فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟. قال: "تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره" (18).
فالظالم قد يكون قريبك أو جارك أو من أهل بلدك فحاول أن تحجزه أو تمنعه عن ظلمه فإن أبى ورفض فأبلغ عنه الجهات الرسمية؛ لأنه أصبح عنصرًا فاسدًا يجب أن يُستأصل.
الخطبة الثانية
أيها المصري.. لن تنجح الثورة في تحقيق أهدافها، ولن تتم الحرية، ولن ينتعش الاقتصاد، ولن تعمر البلاد إلا إذا كان شعارك (مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ).
يقول معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "خذوا العطاء ما دام عطاءً، فإذا صار رشوةً في الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم" قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: "كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نُشروا بالمناشير وحُملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياةٍ في معصية الله" (19).
فأخرج الخوف من نفسك، وأخرج السلبية من سلوكك، وضع في نفسك الطمأنينة، والإيجابية في سلوكك.
أيها المصري.. لقد تربينا وعشنا في الظلم، ونريد لأولادنا وأحفادنا أن يعيشوا ويتربوا في العدل حتى لا يعرفوا غيره فيكونوا لنا ذخرًا يوم القيامة.
يقول رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "لا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلا قَلِيلا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنْ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْعَدْلِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ. ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنْ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْجَوْرِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ" (20).
أيها المصري: هيا نحب الخير لأنفسنا ولأبناء بلدنا يقول رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير" (21).
------------------